الحياة كلمة

وآخرين نعقد معهم عقد الصداقة فينفذون بنداً من

العقد ويتركون الباقي , فهم أصدقاء وقت الرضا,

وليسوا كذلك وقت الشدَّة.


ولكن هناك القلة التي لو فتشنا عنها لتطلب ذلك منا

وقتاً وجهداً , وربما يفنى العمر قبل العثور عليهم...

هؤلاء هم من أياديهم بالخير مبسوطة , وقلوبهم

بالحب عامرة , و ألسنتهم بالثناء رطبة على من يذكر

عندهم , إذا لطمتهم الحياة



بكف الألم تبسموا لها رضاً بالقضاء والقدر, وإن أشار


إليهم بنانٌ بسبٍ أو شتمٍ قابلوه بأيدي الصفح

والغفران ,



بابهم مفتوح , ومالهم مبذول , من يذهب إليهم طلبه

مجابٌ قبل أن يبدأ السؤال... هؤلاء هم من قيل

فيهم: رُبَّ أخٍ لك لم تلده أمك... فأيُّ مثوبةٍ تقدمها

لهؤلاء وأيُّ لسانٍ يستطيع أن يشكرهم مهما بلغت

براعته في الكلام... إنهم ذلك الكنز


الغالي الذي يُفني الإنسان عمره وهو يبحث عنه

ونادراً ما يجده... تلك الشمعة المضيئة التي تحترق

لتنير لغيرها بهدوءٍ تام دون أن تُحدث ضوضاءً حولها ,

بل تعطي ولا تطلب . عملة نادرة قلَّ التعامل بها

هذه الأيام رغم الحاجة إليها ,


وهي ليست من الذهب الذي يرتفع سعره وينخفض ,

بل من الإنسانية الحقَّة المؤمنة المحاطة بإطار

ملائكيٍّ طاهر... جرعةٌ صافيةٌ من الماء البارد صادفت

عطشاً أوجدته حرارة الأيام الفائرة...

ما أسعد الإنسان الذي تعطف عليه الحياة وتمنحه

مثل هذا الأخ الذي لم تلده أمه...

والمرء يُخلِّف آثاراً كثيرةً أثناء عبوره دروب الحياة , بعض




هذه الآثار مادي يمكن رؤيته , إلا أن بعضها غير مرئي

كالتي يتركها في نفوس الآخرين , والمرء يخلف أثره

من غير أن يدري أو يفكر , وإذا جمعنا تلك الآثار حصلنا

على معنى الإنسان...



وعندما ننظر إلى الحياة بمنظار الإيمان ندرك بأننا

نعطيها أكثر من حقها , فالرحيل عنها يمكن أن يتم

في أي لحظة , وأن الاستغراق في الحساسيات

والمشاكل والتوترات هو عملية طرحٍ ظالمة في عمر

الإنسان , فاحذر منها